[align=right]
وأراد المهاراج دافدرانات طاغور لابنه أن يدرس القانون، فأرسله إلى كلية برايتون بانجلترا غير أنه خيب أمل والده ولم يكمل هذه الدراسة لأنه لم يجد فيها ما يرضي نفسه التواقة للفن والأدب، ولكنه استفاد جداً من وجودة في انجلترا بإطلاعه على روائع شكسبير وملتون ووليم بليك، وأعلام آخرين تركوا بصمات واضحة في صفحات الأدب العالمي، فعاد إلى بلاده ليقدم للناس ديوانه الشعري الأول "أغاني المساء" الذي قوبل بالتشجيع.
وكان مدرسوه هم أشقاؤه إضافة إلى مدرس وحيد من خارج الأسرة هو "دفيجندرانات" وكان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً، وكان يتردد عليه أيضا معلم "الجودو"، وقد درس طاغور لغة قومه "السنسكريتيه" وآدابها ثم الإنجليزية التي تعرف من خلالها على آداب أوربا، وقد تميز طاغور بين أشقائه وأبناء عمومته باستقلالية الرأي والشجاعة في اتخاذ المواقف الحاسمة في الأوقات الحرجة، وقد ظهر ذلك - فيما بعد- في كثير من كتاباته، وفي حياته العامة، ومن أمثلة ذلك موقفه الواضح والمحدد من بعض مظاهر الوثنية في الطقوس الخاصة بطائفة البراهمة التي كان يرتدي وشاحها المقدس وينشد تراتيلها.
وعندما عاد إلى (كلكتا) - وكان في الثانية والعشرين- اختارت له أسرته فتاة صغيرة زوجاً له، فأحبته زوجته بشدة فغمرت حياتهما سعادة وسرور، فخاض معها في أعماق الحب الذي دعا إلى الإيمان القوي به في ديوانه "بستاني الحب" حتى قال فيها طاغور:
لقد هلت الفرحة من جميع أطراف الكون لتسوي جسمي
لقد قبلتها أشعة السماوات، ثم قبلتها حتى استفاقت إلى الحياة
إن ورد الصيف المولي سريعا قد ترددت زفراته في أنفاسها
وداعبت موسيقا الأشياء كلها أعضاءها لتمنحها إهاب الجمال
إنها زوجتي لقد أشعلت مصباحها في بيتي وأضاءت جنباته
أنجبت له زوجته ثلاثة أطفال زرعوا في حياته السرور، إلا أن القدر يبلوه مرة أخرى، فقد توفيت زوجته وهي في مقتبل العمر، ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متلاحقة متقاربة ما بين عامي 1902 - 1918، فخلفت تلك الرزايا جرحاً غائراً في نفسه وكادت تعصف بحياته لولا إيمانه العميق تجلي ذلك في قوله:"إن عاصفة الموت التي اجتاحت داري فسلبتني زوجي واختطفت زهرة أولادي أضحت لي نعمة ورحمة، فقد أشعرتني بنقصي وحفزتني على نشدان الكمال، وألهمتني أن العالم لا يفتقد ما يضيع منه" لقد أحس أنه مثل زهرة انتُزِعت بتلاتها واحدة تلو الأخرى، وأصبحت كالثمرة التي سيأتي الموت ليقطفها في كمال نضجها، ومع ذلك فقد جعل منه صفاؤه الواسع وضبطه لنفسه وخضوعه أمام الله الذي ورثه من والده، إنساناً نادر العظمة، فكانت إحدى أغنياته التي استلهمها غاندي منه تقول:
أنا هذا البخور الذي لا يضوع عطره ما لم يُحرق
أنا هذا القنديل الذي لا يشع ضوؤه ما لم يُشعَل
وقد غلب الموت إلى قصائده في ديوان ( جيتنجالي ) حتى قال الشاعر الفرنسي أندريه جيد: "ليس في الشعر العالمي كله ما يدانيها عمقاً وروعة"، يقول طاغور مخاطبا الموت:
"يوما بعد يوم سهرت في انتظارك، من أجلك تذوقت هناءة الحياة وعانيت عذابها"
يتبع
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)